#يقول العارف بالله سيدي أحمد بن عجيبة الحسني رضي الله عنه :
السماع راح تشربُه الأرواح بكؤوس الآذان على معاني الألحان ، ولكل امرئ ما نوى ؛ ماء زمزم لما شُرِب له ، وهذا لما سُمِعَ له .
#وسُئل العارف بالله سيد الطائفة الإمام الجنيد قدس الله سره :
إن أقواماً يتواجدون ويتمايلون؟ فقال : دَعُوهم مع الله تعالى يفرحون ، فإنهم قومٌ قطّعت الطريق أكبادَهم، ومزّق النّصَب فؤادَهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرَج عليهم إذا تنفّسوا مداواةً لحالهم، ولو ذُقتَ مذاقهم عذَرتَهم !
#ابنُ تيمية رحِمه الله ، في مجموع فتاواه ، في الصفحة 396 ، واصفاً جمعيةَ قُلوبِ أهلِ الله في الغَيبةِ في لذّةِ وجدِ المحبّة في الحضرة الإلهية قائلاً :
لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا غَيَّبَ عَقْلَهُ أَوْ أَفْنَاهُ عَمَّا سِوَى مَحْبُوبِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَنْبٍ مِنْهُ : كَانَ مَعْذُوراً غَيْرَ مُعَاقِبٍ عَلَيْهِ ...
معظمُ نظر القوم ما يجمَعُ قلوبَهم على مولاهم ، فمِنْ ثَمَّ قالوا بأشياء في بابِ الأدبِ أنكرَها من لم يعرِف قصدَهم ، وأخذَها بغيرِ حقٍّ من لم يبلُغ حالَهم ، فَضَلَّ بها وزَلّ كالسَّماعِ ونحوِه ؛ وقد أشارَ لذلك الجُنيد رحمه الله حين سُئِلَ عن السّماعِ فقال : كلُّ ما يجمعُ العبدَ على مولاهُ فهو مُباحٌ ، انتهى .
فجعلَهُ مشروطاً بالجمعِ في إباحتِهِ حتى لا يتعدّى حُكمَهُ ، موقوفاً على عِلّتِه حتى لا يُنكَر ، والله سبحانه أعلم .
هي عروس الحضرة لا يدركها سوى العارفون بالله أهل الشهود والعيان وهي الروح في أسمى معانيها ، فحينما يتغنى أهل الله بليلى لا نفهم من أقوالهم سوى ذلك الفيض الجارف من المحبة و الوصف البديع للحسن و الجمال و الأخذ الجذاب للأشواق، و لا ندري مغزى ليلى التي يتحدثون عنها لأنهم كما يقولون جمعت كل المعاني ، يقول شيخ مشايخنا سيدي أحمد العلوي قدس الله سره :
ظهرت بكل لون * ماذا يحصي جفني
ولا تجلو هذه الحيرة و الدهشة حتى ينغمس المريد في التصوف ويذوق من مشرب القوم ، آنذاك تنحل العقد و تنفك الطلاسم ، ويصبح المريد قادراً على فهم كلام المشايخ ، فكلهم تحدثوا عن المرأة وتغنوا بليلى ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : " حبب إلي من دنياكم النساء و الطيب" ، فلا غرو أن المرأة حاملة للطافة وجمال الروح ، فلذلك تغنى بها الصوفية.
يقول سيدي أحمد العلوي:
دنوت من حي ليلى لما سمعت نداها
يا له من صوت يحلو أود لا يتناهى
رضت عني جذبتني أدخلتني لحماها
آنستني خاطبتني أجلستني بحداها
القصيدة طويلة تتحدث عن حسن ليلى ، هذا يفهم من ظاهر القول ، و لكن حقيقته تتحدث عن شيء سامي ، فهذه المرأة معنوية وليست حسية ، روحية وليست بدنية ، جمعت فيها كل مميزات الحسن و الجمال و البهاء و الرونق ، لا يفرق الشيخ بينه وبينها ، فهو كنهها ، أخذته بالكلية ، طورته بدلته وأعطت له سماتها الخاصة ، بل قتلته وضاء نجمه في سماها ...
يخاطب الشيخ المريدين الذين يبحثون عن الحسن أن يأخذوا من خلال هذه الكلمات شيئاً من نورها .
إنه يريد أن ينقل المريد إلى مرحلة الدخول لحضرة المولى عز وجل ، كي يتلقى هذا الفيض الرباني ، فيعرف الحقائق و الرقائق وتكشف له الحجب النورانية كي يتيه حباً ووجداً في خالقه ، فليلى هي الروح التي يدرك بها العارف الذات الإلهية ، وهذا ما نلمسه في كل أشعار الصوفية الذين تغنوا بالمرأة وبالضبط بليلى .
إن سيدي أحمد العلوي يبرز ليلى كملهمة له ، فهي شمس المعاني ، يصورها تصويراً رائعاً بكلام رباني أخّاذ يسلب الروح و العقل ويشد الجوارح وينعش القلب ، يتواجد له الإنسان تيهاً وطرباً ، ويهيم فيه شوقا ووجداً ، إنه كلام صادر في حالة سكر وليست حالة صحو ، سكر بالله وتيه بالله وطرباً بالله ، لذلك الكلمات ليست كالكلمات و الألفاظ ليست هي الألفاظ ، إنها تعابير رقيقة من معين المعرفة بالله.
إننا نندهش لهذا التصوير الذي ينقلنا من الحس إلى المعنى ، من الشبح إلى الروح. وهكذا تنتهي حيرتنا ودهشتنا حول من هي ليلى التي تغنى بها الصوفية ، لنتأكد على أن ليلى هي تلك اللطيفة الربانية التي أودعها الله فينا ، وظهرت بشكل واضح في المرأة ، باعتبارها كائن لطيف ناعم جميل ، خلق الله هذه الروح في أحسن صورة ، فلا غرابة أن يتغنى بها أهل الله ، فهي حاملة للروح في نقائها وصفائها ، والروح شيء سام مقدس لا يدرك معناه إلا العارفون الذين سلكوا دروب التربية الروحية ودخلوا حضرة المولى عز وجل ، وانتقلوا بأنفسهم من مرحلة النفوس إلى مرحلة الروح إلى مرحلة السر ، فبديهي أن كلامهم أثناء السكر يوضح لنا الحقائق و اللطائف .
يقول سيدي أحمد العلوي :
يا عارف الروح مني * لا يخفى عنك صفاها
لو أننا نستطيع فهم الروح التي بين جنبينا لعرفنا خالقنا أحسن معرفة يقال : " من عرف نفسه عرف ربه" ، ولو أننا سلكنا مسلك العارفين وفهمنا أقوالهم لعرفنا هذه اللطيفة الربانية والروح السامية ، لقد قربوا لنا المعنى ، لكننا نحن في غفلة ، فجازاهم الله عنا خير الجزاء .
قصيدة من ديوان دِنان الأرواح لمولانا الشيخ سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره الشريف :
هِي ليـــلى هي مَيَّا هي كُلّي لا سِواها
هي سِرّي هي غَيْبي ذوَّبَتـني في هَواها
قرّبـَتـــــــني حَيَّرتني كشَفَت لي عن سَناها
أسكرَتني دِنانَ شَوْقٍ أشـرَبَتْني من إِناها
أطـــرَبَتِ الرّوحَ مِنّي أرقَـــــصَتني بغِناها
شــغَفَت قَلبي وروحِي مُهجَتي كُلّي فِداها
جَذَبــــــــتني غيّرَتني كنــَـفَتني في حِماها
رفعَــــتِ الخِمارَ جهراً تَيَّـــــهَتني في بَهاها
صَعَقتِ النـّـفسَ مِنّي قـُــــربُها عَينُ خَفاها
ســـِـــرُّها سِرٌّ عَجيبٌ هي شَمسٌ في عُلاها
قوسُـــها كمَّلَ قوسي دورةٌ لا تـَــــتـَـــناهى
ثُمَّ دنــــــــــى وتدَلّى سِرُّها سِرّي احْتواها
جَــــمَعتِ الكونَ تُرباً زَمْــزَمَتْ ماءَ هَواها
أوقدَتِ النّـــارَ عِشقاً صَلصلَتْ ذاتي بِلاها
رتّبــَــت ذاتي مَراقي طوّرَت جسمي إناها
فــــرَدّتِ الرّوحَ نفخاً نـشـَــرَت معاني طَهَ
نقـَــــشَت نقشاً خفيّاً إسمُها قلبي احتَواها
بدّلَت حُروفُ إسمي علَّمــَــــتْني مُسَمّاها
نزَّهَــــــتني قَدّسَتني أسجَدَت ليَ الجِباها
نُقطةٌ من بحــر سِرّي فَيَّـــضَتْ نورَ هُداها
لوّنـَــتِ الأكوانَ طُرّاّ وردةّ ولا اشــــتِباها
قرّبَتِ العُشّــاقَ مِنّي صَــــحِبوا أنوارَ طَهَ
شـُــــربُها محوٌ لِأيْنِ فيضةٌ الكُلُّ آشتَهاها
قُربُها مـَـــــحوٌ لبَينٍ عِــطرُ الكون شَذاها