تفسير إشاري للآية الكريمة : ( ألهاكم التكاثر )

أضف رد جديد
الفقير محمد شواطة
مشاركات: 0
اشترك في: الخميس 22 ديسمبر 2022

تفسير إشاري للآية الكريمة : ( ألهاكم التكاثر )

مشاركة بواسطة الفقير محمد شواطة »

*يقول الله تعالى : "ألهاكم التكاثر " سورة التكاثر الآية:1.

•الإشارة:

*يقولُ شيخنا سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره في مؤلَّفه : "كافُ الأستارِ لما في هاء ِالجلالة ِمن أسرار":

•اعلموا رحمكم الله أن سببَ الغفلةِ عن المولى منشؤها الكثرةُ الفرْقيَّة ُالمنطلقة ُمن رؤية ِانعكاسات ِخيالات ِوهم ِفرق ِالصورِ والأسماء ِوالأحكام ِالموهِمَةِ بتعدُّدِ الذوات.
إذ لكلِّ آنية ٍانعكاسٌ في مجلى العين ونكتةٌ في مرآة القلب،فكلُّ نظرة ٍبعينِ الغفلةِ تزيد صاحبها بعداً عن الحقيقة الحقية، حتى إذا تكاثفت النُّكَتُ على مرآة القلب طَمست ْفيها فِطرةَ الجمعِ التي فطَرَ الحقُّ الخلقَ عليها، وعادَتْ عندها ظلمةُ الأواني الحسيةِ هي الأصلُ فتستلِذُّ بها وتأنَسُ إليها، فإذا طالَ عليها الأمَدُ أنكَرَتْ أصلَها النوراني وعادَ القلبُ سواداً قاسياً:قال تعالى:"فطالَ عليهم الأمَدُ فقسَتْ قلوبُهم":سورة الحديد الآية 16.
*وفي الحديثِ الشريفِ:

•( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ).

•فَفِتَنُ وهمِ التشكُّلات ِالعدَميَّةِ الظاهرةِ في عالمِ الإمكانِ بمظهرِ الفرقِ في مجلى العينِ، هي أعوادُ الحصيرِ كما شبَّهها الحبيبُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : كلُّ عودٍ هو مظهرٌ من مظاهرِ الفرقِ الذي هو سببُ الغفلةِ عند العامّةِ، فمنْ رآى العودَ منهم بقيَ مع أيْنِيَّةِ العودِ وفُتِنَ باختِلافِ ألوانِ الأعوادِ فيما بينَها مِنْ طولٍ وقِصَرٍ واعوِجاجاتٍ واستِقاماتٍ فَيُفني عُمُرَهُ في الإنتِقالِ من مظهرٍ إلى آخرَ وهُوَ لا يدري أنه لو زالَتْ زينةُ الأعوادِ لوجدَها مُتماثلةً كأنّها عودٌ واحِدٌ يتغيَّرُ من شكلٍ إلى شكلٍ ومن لونٍ إلى لونٍ.

•أمّا لو رأى الحصيرَ جمعاً لذاقَ مِنْ رُؤيَةِ جمالِ الصانِعِ ومِنْ إتقانِها إبداعَ الصانعِ ومِنْ كِبَرِها وُسْعَ الصانِعِ، ولغابَ عن الصَّنعةِ بعِشقِ الصانِعِ، فصاحِبُ نظرةِ الجمعِ يرى الكُلَّ بمِنظارِ الوحدانيّةِ انطلاقاً من وحدةِ الشهودِ للمولى المعبود ِ، فتتماثلُ الذّواتُ والمراتِبُ عندَهُ مِنْ مَنشَإِ غوصِهِ في بحرِ الوحدانيةِ حيثُ كلُّ قطرةٍ هي عينُ الأخرى.
فيعلَمُ البحرَ مِن عِلمِهِ بالقطرةِ وهيَ الإشارةُ الخضِريّةُ للكليم موسى لمّا قالَ لَــهُ : "علمي وعلمُكَ كما نقَرَ الطائرُ منَ البحرِ".

•فالبحرُ إشارةٌ إلى العِلمِ بذاتِ الحقِّ والطائرُ هو الرّوحُ :قال تعالى:"وكلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ "
فالطائرُ يأخُذُ منَ البحرِ بِمِنقارِهِ أو بالأحرى بانثِناءِ مِنقارِهِ، فذلكَ الإنثناءُ هو مقامُ التنزُّلِ الرّوحي لمراتِبِ النفسِ حتى تنبعِثَ فيها هِمَّةُ طلبِ العلمِ، إذِ الرُّوحُ فَنَتْ هِمَّتُها لأنَّها أمرٌ رُبوبي، والقطرةُ مظهَرُ الجمعِ في الفرقِ، فالعامّةُ ألهاهُم التكاثرُ ففُتِنوا بوُسعِ البحرِ وأصابَهُم العجزُ قبلَ العِلمِ، أمّا أهلُ الإحسانِ فغَرَفوا بطائرِ أرواحهم من بحرِ الذاتِ ، فذاقوا بُرودَةَ الغوْصِ وعَلِموا من فرقِ القطرةِ جمعيَّةَ البحرِ، فأعطَوا لكلِّ ذي حقٍّ حقّهُ وتأدّبوا في الفرقِ والجمعِ، إذ نظروا الجمعَ في الفرقِ والفرقَ في الجمعِ فقالوا كما قالَ المصطفى صلى الله عليه وسلَّم: "أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك".

•فلا تنبَهِرْ بالكثرة الفرقية، ولكن عُدْ بالأعدادِ إلى الواحِدِ وعُدْ بالحروفِ إلى استقامَةِ الألِفِ،وعُدْ بالمُكوَّناتِ إلى المُكَوِّنِ،وامحقِ الكُلَّ بنورِ مالِقِ الكُلِّ حتى لا يبقى إلاّ نورُهُ في السماواتِ والأرضِ، عندَ ذلكَ عُدْ للفَرْقِ من غيرِ أنْ تغفَلَ عن نظرةِ الجمعِ ترى سِرّاً عجيباً وتتبيّنَ أمراً تضيقُ عنهُ العبارةُ فذاكَ ما يُصطَلَحُ عليهِ بالسِّرِّ.

•وهذا مِعيارٌ تزِنُ بهِ متى عجَزتَ عن التمييزِ: فمتى وجدتَ العِبارةَ التي تُحيطُ بالإشارة فاعلَمْ أنّكَ لا تزالُ في إحاطةِ السِّرِّ ولكن إذا عجزْتَ عنِ الكلامِ وخرَسَ اللسانُ وسالتِ الدَّمعةُ تحرِقُ الخدَّ فاعلمْ أنّكَ قريبٌ مِنْ مجلى السِّرِّ.
صورة العضو الرمزية
صلاح الدين خلوق
مشرف عام
مشاركات: 52
اشترك في: الأحد 27 نوفمبر 2022

Re: تفسير إشاري للآية الكريمة : ( ألهاكم التكاثر )

مشاركة بواسطة صلاح الدين خلوق »

الفقير محمد شواطة كتب: الثلاثاء 27 ديسمبر 2022 *يقول الله تعالى : "ألهاكم التكاثر " سورة التكاثر الآية:1.

•الإشارة:

*يقولُ شيخنا سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره في مؤلَّفه : "كافُ الأستارِ لما في هاء ِالجلالة ِمن أسرار":

•اعلموا رحمكم الله أن سببَ الغفلةِ عن المولى منشؤها الكثرةُ الفرْقيَّة ُالمنطلقة ُمن رؤية ِانعكاسات ِخيالات ِوهم ِفرق ِالصورِ والأسماء ِوالأحكام ِالموهِمَةِ بتعدُّدِ الذوات.
إذ لكلِّ آنية ٍانعكاسٌ في مجلى العين ونكتةٌ في مرآة القلب،فكلُّ نظرة ٍبعينِ الغفلةِ تزيد صاحبها بعداً عن الحقيقة الحقية، حتى إذا تكاثفت النُّكَتُ على مرآة القلب طَمست ْفيها فِطرةَ الجمعِ التي فطَرَ الحقُّ الخلقَ عليها، وعادَتْ عندها ظلمةُ الأواني الحسيةِ هي الأصلُ فتستلِذُّ بها وتأنَسُ إليها، فإذا طالَ عليها الأمَدُ أنكَرَتْ أصلَها النوراني وعادَ القلبُ سواداً قاسياً:قال تعالى:"فطالَ عليهم الأمَدُ فقسَتْ قلوبُهم":سورة الحديد الآية 16.
*وفي الحديثِ الشريفِ:

•( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ).

•فَفِتَنُ وهمِ التشكُّلات ِالعدَميَّةِ الظاهرةِ في عالمِ الإمكانِ بمظهرِ الفرقِ في مجلى العينِ، هي أعوادُ الحصيرِ كما شبَّهها الحبيبُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ : كلُّ عودٍ هو مظهرٌ من مظاهرِ الفرقِ الذي هو سببُ الغفلةِ عند العامّةِ، فمنْ رآى العودَ منهم بقيَ مع أيْنِيَّةِ العودِ وفُتِنَ باختِلافِ ألوانِ الأعوادِ فيما بينَها مِنْ طولٍ وقِصَرٍ واعوِجاجاتٍ واستِقاماتٍ فَيُفني عُمُرَهُ في الإنتِقالِ من مظهرٍ إلى آخرَ وهُوَ لا يدري أنه لو زالَتْ زينةُ الأعوادِ لوجدَها مُتماثلةً كأنّها عودٌ واحِدٌ يتغيَّرُ من شكلٍ إلى شكلٍ ومن لونٍ إلى لونٍ.

•أمّا لو رأى الحصيرَ جمعاً لذاقَ مِنْ رُؤيَةِ جمالِ الصانِعِ ومِنْ إتقانِها إبداعَ الصانعِ ومِنْ كِبَرِها وُسْعَ الصانِعِ، ولغابَ عن الصَّنعةِ بعِشقِ الصانِعِ، فصاحِبُ نظرةِ الجمعِ يرى الكُلَّ بمِنظارِ الوحدانيّةِ انطلاقاً من وحدةِ الشهودِ للمولى المعبود ِ، فتتماثلُ الذّواتُ والمراتِبُ عندَهُ مِنْ مَنشَإِ غوصِهِ في بحرِ الوحدانيةِ حيثُ كلُّ قطرةٍ هي عينُ الأخرى.
فيعلَمُ البحرَ مِن عِلمِهِ بالقطرةِ وهيَ الإشارةُ الخضِريّةُ للكليم موسى لمّا قالَ لَــهُ : "علمي وعلمُكَ كما نقَرَ الطائرُ منَ البحرِ".

•فالبحرُ إشارةٌ إلى العِلمِ بذاتِ الحقِّ والطائرُ هو الرّوحُ :قال تعالى:"وكلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ "
فالطائرُ يأخُذُ منَ البحرِ بِمِنقارِهِ أو بالأحرى بانثِناءِ مِنقارِهِ، فذلكَ الإنثناءُ هو مقامُ التنزُّلِ الرّوحي لمراتِبِ النفسِ حتى تنبعِثَ فيها هِمَّةُ طلبِ العلمِ، إذِ الرُّوحُ فَنَتْ هِمَّتُها لأنَّها أمرٌ رُبوبي، والقطرةُ مظهَرُ الجمعِ في الفرقِ، فالعامّةُ ألهاهُم التكاثرُ ففُتِنوا بوُسعِ البحرِ وأصابَهُم العجزُ قبلَ العِلمِ، أمّا أهلُ الإحسانِ فغَرَفوا بطائرِ أرواحهم من بحرِ الذاتِ ، فذاقوا بُرودَةَ الغوْصِ وعَلِموا من فرقِ القطرةِ جمعيَّةَ البحرِ، فأعطَوا لكلِّ ذي حقٍّ حقّهُ وتأدّبوا في الفرقِ والجمعِ، إذ نظروا الجمعَ في الفرقِ والفرقَ في الجمعِ فقالوا كما قالَ المصطفى صلى الله عليه وسلَّم: "أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك".

•فلا تنبَهِرْ بالكثرة الفرقية، ولكن عُدْ بالأعدادِ إلى الواحِدِ وعُدْ بالحروفِ إلى استقامَةِ الألِفِ،وعُدْ بالمُكوَّناتِ إلى المُكَوِّنِ،وامحقِ الكُلَّ بنورِ مالِقِ الكُلِّ حتى لا يبقى إلاّ نورُهُ في السماواتِ والأرضِ، عندَ ذلكَ عُدْ للفَرْقِ من غيرِ أنْ تغفَلَ عن نظرةِ الجمعِ ترى سِرّاً عجيباً وتتبيّنَ أمراً تضيقُ عنهُ العبارةُ فذاكَ ما يُصطَلَحُ عليهِ بالسِّرِّ.

•وهذا مِعيارٌ تزِنُ بهِ متى عجَزتَ عن التمييزِ: فمتى وجدتَ العِبارةَ التي تُحيطُ بالإشارة فاعلَمْ أنّكَ لا تزالُ في إحاطةِ السِّرِّ ولكن إذا عجزْتَ عنِ الكلامِ وخرَسَ اللسانُ وسالتِ الدَّمعةُ تحرِقُ الخدَّ فاعلمْ أنّكَ قريبٌ مِنْ مجلى السِّرِّ.
بارك الله فيك وفي قلمك الفياض سيدي الدكتور الفاضل .
أضف رد جديد